الجنيد
الجنيد بن محمد بن الجنيد النهاوندي ثم البغدادي القواريري والده الخزاز ، هو شيخ الصوفية ولد سنة نيف وعشرين ومئتين ، وتفقه على أبي ثور ، وسمع من السري السقطي وصحبه ومن الحسن بن عرفة وصحب أيضاً الحارث المحاسبي ، وأبا حمزة البغدادي ، وأتقن العلم.
قال أحمد بن عطاء: كان الجنيد يفتي في حلقة أبي ثور.
العمل والعبادة:
وكان يعمل في سوقه ، وورده كل يوم ثلاث مئة ركعة ، وكذا كذا ألف تسبيحة.
وكان يفتح حانوته ويدخل فيسبل أربع مئة ركعة.
العلم والتزكية:
وكان يقول: علمنا مضبوط بالكتاب والسنة ، من لم يحفظ الكتاب ، ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به.
وكان يقول: علمنا مشبك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي القاسم الكعبي أنه قال مرة: رأيت لكم شيخاً ببغداد ، يقال له الجنيد ما رأت عيناي مثله ، كان الكتبة ـ يعني البلغاء ـ يحضرونه لألفاظه ، والفلاسفة يحضرونه لدقة معانيه ، والمتكلمون يحضرونه لزمام علمه ، وكلامه بائن عن فهمهم وعلمهم.
وقال الخلدي: لم نر في شيوخنا من اجتمع له علم الجنيد ، كانت له حال خطيرة ، وعلم غزير ، إذا رأيت حاله رجحته على علمه ، وإذا تكلم رجحت علمه على حاله.
وقال أبو محمد المرتعش: قال الجنيد: كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين فتكلموا في الشكر ، فقال: يا غلام ما الشكر.؟ قلت: أن لا يعصى الله بنعمه. فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك. قال الجنيد: فلا أزال أبكي على قوله.
وكان بقول: أعلى الكبر أن ترى نفسك ، وأدناه أن تخطر ببالك ـ يعني نفسك ـ.
وكان يقول: أعطي أهل بغداد الشطح والعبارة ، وأهل خراسان القلب والسخاء ، وأهل البصرة الزهد والقناعة ، وأهل الشام الحلم والسلامة ، وأهل الحجاز الصبر والإنابة.
وكان يقول: ما أخذنا التصوف عن القال والقيل ، بل عن الجوع وترك الدنيا ، وقطع المألوفات.
قال الإمام الذهبي: هذا حسن ومراده قطع أكثر المألوفات ، وترك فضول الدنيا ، وجوع بلا إفراط ، أما في الجوع كما يفعله الرهبان ، ورفض سائر الدنيا ، ومألوفات النفس من الغذاء والنوم والأهل ، فقد عرض نفسه لبلاء عريض ، وربما خولط في عقله ، وفاته بذلك كثير من الحنيفية السمحة ، وقد جعل الله لكل شيء قدراً ، والسعادة في متابعة السنن ، فزن الأمور بالعدل ، وصم وأفطر ونم وقم ، والزم الورع في القوت ، وارض بما قسم الله لك ، واصمت إلا من خير ، فرحمة الله على الجنيد ، وأين مثل الجنيد في علمه وحاله.
مختصر بتصرف. (سير أعلام النبلاء:14ـ66).