والطريقة العروسية، شأنها شأن سائر الطرق الصوفية، انغمست في كثير من الخرافات والضلالات، ووقعت في العديد من البدع والانحرافات التي نحاول أن نرصد شيئًا منها في السطور التالية.
1. مؤسس الطريقة يقول: "أنا الله" !!!
جاء في الوصية الكبرى لعبد السلام الأسمر الفيتوري وهو يتحدث عن أحمد بن عروس مؤسس الطريقة: " إخواني: لو كانت النبوءةُ تُنال بالمجاهدة والعبادة لنالها سيدي أحمد بن عروس، وقد تكلم بلسان الحال في آخر عمره إلى أن قال: أنا لكل جبار عنيد نقمة، أنا لكل شيطانٍ مريدٍ ذو فتنة، أنا لكل مَن عثر جوادُه أو فرسُه من أصحابي وفقرائي وأولادي وعترتي وأحبابي إلى يوم القيامة حتى بلغ يقول: أنا الله كذا وكذا، أنا هو كذا وكذا، ونعلم بكذا وكذا، والكون كذا وكذا..."(19).
ولا يقول بهذا أحدٌ إلا من فرط جهله وتلاعب الشياطين به، وهو قول ملاحدة الصوفية والزنادقة منهم القائلين بعقيدة الحلول والاتحاد، من أمثال ابن عربي والحلاج. ومثلما ذهب سلف هذه الأمة من العلماء إلى تكفير ابن عربي والحلاج عندما نطقوا بما نطقوا به من كفر وإلحاد، فكذلك أنكر علماء إفريقية على ابن عروس قوله وأفتوا بتكفيره، وحين أنكر العلماء عليه "انفرد عنهم من ساعته ومكث سنة في داره لا يخرج إلا الجمعة إلى أن مات..."(19).
وإذا كان قد بلغ به الحال إلى القول "أنا الله"، فلا حاجة إذن لإتيان المساجد لأداء الصلوات المكتوبات، وتكفيه الجمعة ذرًّا للرماد في العيون حتى لا يُقال ضيَّع الصلاة بالكلية. وقد فعل.
2. خرافات لا كرامات:
مَن أعمل النظر في تراجم مؤسس الطريقة العروسية (ابن عروس)، ومجددها (عبد السلام الأسمر)، يجد الكثير مما يطلقون عليه كرامات أو مناقب وما هي إلا خرافات وأساطير اختلقوها من نسج خيالهم وإغواء شياطينهم ليلبّسوا على الناس أمرَ دينهم ويروجوا لديهم باطلَهم.
فابنُ عروس عند القوم "له مناقب كثيرة لا يحصيها أحدٌ وقد أنطقه الله بجميع المغيبات وخرق له العادات وأظهر على يديه العجائب وأجرى على لسانه الفوائد والأحكام"(20).
ومن هذه العجائب أنه عندما "وجدوه ميتا ممدودا في ثيابه لا روح فيه فغمضوه فتكلم رضي الله عنه وهو ميت ثم غسَّلوه وكفنوه وحملوه في نعش فتكلم وهو في النعش وتكلم أيضًا حين وضعوه في القبر"(21).
وقد مرَّ بنا رواية فرار عبد السلام الأسمر من سجنه وكيف هرب طائرًا مخترقًا الجدران، قبل أن يهبط ومعه هذا البندير من الجنة!!.
وبأدنى تأمُّل في هذه الخوارق نجد أنها لا تتصل بسبب بكرامات الأولياء التي وضع لها أهل العلم ضوابط حتى تتمايز عن تلك الخوارق والعوارض الشيطانية.
ومن أهم هذه الضوابط(22):
1 ـ أن يكون صاحبُ الكرامةِ مؤمنًا تقيًّا.
2 ـ أن لا يدَّعيَ صاحبُها الولاية؛ لأنها أولاً دعوى علم الغيب، ولأنها ثانيًا تزكية للنفس.
3ـ أن لا تكون سببًا في ترك شيءٍ من الواجبات؛ لأنَّ الكرامة حصلت بسبب طاعة الله تعالى، ويلزم من ذلك ألا تخالف ما كان سببًا في حصولها.
4 ـ أن لا تخالف أمرًا من أمور الدِّين، كإسقاط التكاليف أو استباحة الحرام بسببها.
وواضح أن ما مرَّ بنا من خوارق ابن عروس أو عبد السلام الأسمر لا يخلو من ناقض أو أكثر من تلك الضوابط التي وضعها أهل العلم ليسهُلَ على المسلمين التفريقُ بين أصحاب الكرامات وأصحاب الضلالات.
3. استخدام التقية وكتمان بعض معتقداتهم:
يقول عبد السلام الأسمر: "إخواني، وسنذكر لكم كلامًا في المغيَّبات لكن يجب الإمساك عنها إلا لأهله الذين يكتمونه، ولا ينبغي إظهاره للسفهاء الذين يلحقون به إلى الأمراء والجبابرة وأهل الدنيا"(23).
وتكشف وصية الأسمر لمريدي العروسية بكتمان هذه المعتقدات والآراء، عن بطلانها وفسادها وخشيته من اطلاع أهل العلم الثقات عليها فيُفتضح أمره ويظهر للناس عوار مذهبه. وهذا أمرٌ متفشٍ لدى المتصوفة، حيث يعتقد المتصوفة أن لديهم أسرارًا إلهية يخفونها عن غير أرباب الطريق. فقد نقل الشعراني عن الجنيد أنه "كان يستر كلام أهل الطريق عمن ليس منهم، وكان يستتر بالفقه والإفتاء على مذهب أبي ثور، وكان إذا تكلم في علوم القوم أغلق باب داره، وجعل مفتاحه تحت وركه"(24). وأيضا روى عن الشاذلي أنه كان يقول: "امتنعت عني الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رأيته، فقلت: يا رسول الله، ما ذنبي؟ فقال: إنك لست بأهلٍ لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا"(25).
وتتجلى خطورة هذا المسلك لدى المتصوفة في أنهم أخذوه "من الشيعة ليكونوا حزبا سرّيا يعمل في الخفاء لهدم مبادئ الإسلام وتعاليمه، ولتأسيس ديانة جديدة تعمل لتوهين القوى الإسلامية ونشاط المسلمين لنشر الكتاب والسنة، والتقاعد عن الجهاد والغزوات، وبناء المجتمع الإسلامي على أسس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"(26).
4. الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عروسيين!!
ومن تمجيده الفجّ في شأن الطريقة العروسية، نجد عبد السلام الأسمر يدعي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا على هذه الطريقة؛ فيقول: "إخواني: اعلموا رحمكم الله أن هذه الطريقة العروسية الراجعة إلى الشاذلية هي أقرب الطرق إلى الله وهي لبها فمن حلف بالله أن هذه الطريقة الشاذلية هي التي كانت عليها بواطن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو بارٌّ في يمينه ولم يحنث"(27).
وهذا من أبشع الكذب على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه حطٌّ من مكانتهم السامقة في الإسلام التي لا تخفى على أحد، ومن الجهل والغباء نسبتهم رضوان الله عليهم إلى الطرق الصوفية أو أنهم كانوا على العروسية أو الشاذلية، والذي يظهر أن الرجل أراد أن يُعلي من شأن طريقته فهداه تفكيره إلى أن يزعم هذا الزعم ويفتري هذه الكذبة، وظني أنه لو صحَّ له نسبتُها إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأسًا دون أن يشنّع عليه أحدٌ لفعل، وما ذلك منهم بمستغرب.
5. أوراد بدعية:
المتتبعُ لأوراد الطريقة العروسية التي وضعها عبد السلام الأسمر، يجد أنها على ثلاثة أقسام(28): الوظائف، والأحزاب، والأوراد اليومية الضرورية.
- فالوظائف أربعة: وظيفة الحضرة، الوظيفة الأسمرية، الوظيفة الزروقية، والْوَظيِفَةُ اللَّطِيفِيَّةُ الحَطَّابِيَّةُ.
ولكل وظيفةٍ من هذه الوظائف وقتٌ محدد خلال اليوم أو الأسبوع تُقرأ فيه.
_ والأحزاب أيضًا أربعة، هي: الحزب الكبير، حزب الطمس، حزب الخوف، حزب الفلاح والنجاح.
ولكل حزب أيضًا وقتٌ مختار من اليوم أو حالةٌ بعينها يقرأ عندها.
_ أما الأوراد اليومية الضرورية فهي نوعان: نوع يقال مرة واحدة في اليوم وتقضى إن فاتته لعذر، وهي تنقسم بدورها إلى ثلاثة أوراد: أولها ثلاث مائة تسبيحة، وثانيها تسعمائة تسبيحة، وثالثها ألف وستمائة تسبِيحة. والنوع الآخر هو ما يُكرَّرُ دُبُرَ كُلِّ صلاة.
ودون الخوض في تفاصيل هذه الأوراد التي لا تخلو من محاذير شرعية، نقول إنه ينسحب على أوراد الطريقة العروسية ما ينسحب على أوراد سائر الطرق الصوفية، فإن كان الذكر واردًا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم فنجدهم قد خصصوه بوقت محدد أو بعدد أو كيفية معينة فوقعوا بذلك فيما يسميه العلماء بـ"البدعة الإضافية" التي يكون أصلها مشروعاً دون وصفها، فالبدعة لحقت هذه الأذكار من جهة اختراع الكيفية أو تحديد المقدار والزمن.
وإن كان الذكر لم يرد في السنة، أو لا تقوم به حجة لأنه لا يصح من جهة الإسناد أو المتن، فعندئذٍ يُنظر فيه فإن كان يتضمن محذورا شرعيًّا فيُطرح بالجملة ولا يُلتفت إليه، وإن خلا من تلك المحاذير جاز الذكر أو الدعاء به في بعض الأحيان دون التزامه والمدوامة عليه، وفي هذه الحالة أيضًا لابد من تقرير أن أفضل الأوراد والأذكار هو ما نقل لفظُه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لَا رَيْبَ أَنَّ الْأَذْكَارَ وَالدَّعَوَاتِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ، وَالِاتِّبَاعِ، لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ، فَالْأَدْعِيَةُ وَالْأَذْكَارُ النَّبَوِيَّةُ هِيَ أَفْضَلُ مَا يَتَحَرَّاهُ الْمُتَحَرِّي مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَسَالِكُهَا عَلَى سَبِيلِ أَمَانٍ وَسَلَامَةٍ، وَالْفَوَائِدُ وَالنَّتَائِجُ الَّتِي تَحْصُلُ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانٌ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ إنْسَانٌ، وَمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَذْكَارِ قَدْ يَكُونُ مُحَرَّمًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ شِرْكٌ مِمَّا لَا يَهْتَدِي إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَهِيَ جُمْلَةٌ يَطُولُ تَفْصِيلُهَا. وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسُنَّ لِلنَّاسِ نَوْعًا مِنْ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ غَيْرَ الْمَسْنُونِ وَيَجْعَلَهَا عِبَادَةً رَاتِبَةً يُوَاظِبُ النَّاسُ عَلَيْهَا كَمَا يُوَاظِبُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ; بَلْ هَذَا ابْتِدَاعُ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ بِهِ ; بِخِلَافِ مَا يَدْعُو بِهِ الْمَرْءُ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ لِلنَّاسِ سُنَّةً، فَهَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى مُحَرَّمًا لَمْ يَجُزْ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِهِ ; لَكِنْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَشْعُرُ بِهِ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَدْعُو بِأَدْعِيَةٍ تُفْتَحُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ قَرِيبٌ. وَأَمَّا اتِّخَاذُ وِرْدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ، وَاسْتِنَانُ ذِكْرٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ: فَهَذَا مِمَّا يُنْهَى عَنْهُ، وَمَعَ هَذَا فَفِي الْأَدْعِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ غَايَةُ الْمَطَالِبِ الصَّحِيحَةِ، وَنِهَايَةُ الْمَقَاصِدِ الْعَلِيَّةِ، وَلَا يَعْدِلُ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ إلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُفَرِّطٌ أَوْ مُتَعَدٍّ"(29).
وتشاركُ العروسيةُ بعد ذلك سائرَ الطرق الصوفية في كثير من البدعيات والشركيات التي لا تكاد تخلو منها طريقة صوفية، خاصة ما يفعلونه عند قبور مشايخهم وأضرحتهم من طواف ونذر وذبح واستغاثة بالمقبور، ولضريح عبد السلام الأسمر في مدينة زليتن نصيبٌ من كل ذلك، فقد اتخذه الناس عيدًا وفعلوا عنده من الكفريات والشركيات ما الله به عليم، حتى إن سيف الإسلام القذافي، ولم يكن على كثير اطلاع بعلوم الشريعة، ليصف ضريح هذا الرجل بأنه "أكبر مكان يُكفر فيه بالله في ليبيا جهارا نهارا"(30).
ولكثرة ما يطغى من الجهل على أرباب الطرق الصوفية في ليبيا في مقابل المد السني وظهور جيل متمسك بالكتاب والسنة على نهج سلف الأمة، خاصةً بعد زوال حكم القذافي وزبانيته؛ فإنه من المتوقع أن تشهد الرقعة الصوفية في تلك الديار انحسارًا واسعًا لصالح الصحوة الإسلامية الفتية هناك.
|